فصل: مطلب فِي أَوَّلِ مَنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب **


 مطلب فِي قَتْلِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ

وَالْأَبْتَرِ مِنْ الْحَيَّاتِ بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ اُقْتُلْ وَأَبْتَرَ حَيَّةٍ وَمَا بَعْدَ إيذَانٍ تُرَى ‏,‏ أَوْ بِفَدْفَدِ ‏(‏وَذَا‏)‏ أَيْ صَاحِبَ ‏(‏الطُّفْيَتَيْنِ‏)‏ ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ خَطٌّ أَسْوَدُ ‏,‏ وَهُوَ حَيَّةٌ خَبِيثَةٌ ‏,‏ وَالطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ فِي الْأَصْلِ وَجَمْعُهَا طُفَى شَبَّهَ الْخَطَّيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ بِخُوصَتَيْنِ مِنْ خُوصِ الْمُقْلِ ‏.‏

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ‏:‏ الطُّفْيَةُ حَيَّةٌ لَيِّنَةٌ خَبِيثَةٌ ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَعَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ ‏,‏ وَالْأَبْتَرَ ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يُسْقِطَانِ الْحُبْلَى وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ ‏"‏ قَالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ الطُّفْيَتَانِ الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ ‏,‏ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ‏:‏ ‏(‏اُقْتُلْ‏)‏ أَيْ اُقْتُلْ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ ‏,‏ فَذَا مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَالطُّفْيَتَيْنِ مُضَافٌ إلَيْهِ ‏(‏و‏)‏ اُقْتُلْ ‏(‏أَبْتَرَ‏)‏ ‏,‏ وَهُوَ ‏(‏حَيَّةٌ‏)‏ غَلِيظَةُ الذَّنْبِ كَأَنَّهُ قُطِعَ ذَنْبُهُ ‏.‏

وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْأَبْتَرُ قَصِيرُ الذَّنْبِ ‏,‏ وَقَالَ النَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ‏:‏ هُوَ صِنْفٌ مِنْ الْحَيَّاتِ أَزْرَقُ مَقْطُوعُ الذَّنْبِ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ حَامِلٌ إلَّا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا غَالِبًا ‏.‏

وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهَا فَهَاتَانِ الْحَيَّتَانِ يُقْتَلَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ ‏(‏وَمَا بَعْدَ إيذَانِ‏)‏ لِحَيَّاتِ الْبُيُوتِ اُقْتُلْ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْإِيذَانِ ‏(‏تُرَى‏)‏ أَيْ تَظْهَرُ ‏;‏ لِأَنَّك قَدْ فَعَلْت مَا طُلِبَ مِنْك ‏,‏ وَهُوَ الْإِيذَانُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ الْحَيَّةُ ‏(‏بِفَدْفَدِ‏)‏ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ الْفَدْفَدُ الْفَلَاةُ ‏,‏ وَالْمَكَانُ الصُّلْبُ الْغَلِيظُ ‏,‏ وَالْمُرْتَفِعُ ‏,‏ وَالْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ ‏,‏ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْحَيَّةُ تَظْهَرُ لَك فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ مِنْ الصَّحْرَاءِ فَاقْتُلْهَا بِلَا إيذَانٍ لَك مِنْهَا ‏.‏

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ وَاَلَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ يَعْنِي مِنْ الْحَيَّاتِ يَجُوزُ قَتْلُهَا بِدُونِ إنْذَارِهَا ‏.‏

قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ مِنْ الْحَيَّاتِ ‏,‏ وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ قَتْلِ مَا فِيهِ إضْرَارٌ وَنَفْعٌ

وَعَدَمِ قَتْلِهِ وَمَا فِيهِ إضْرَارٌ وَنَفْعٌ كَبَاشِقٍ وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ لِاقْتِصَادِ التَّصَيُّدِ ‏(‏وَمَا‏)‏ أَيْ حَيَوَانٌ أَوْ طَيْرٌ ‏(‏فِيهِ إضْرَارٌ‏)‏ مِنْ وَجْهٍ ‏(‏و‏)‏ فِيهِ ‏(‏نَفْعٌ‏)‏ مِنْ وَجْهٍ ‏(‏كَبَاشَقٍ‏)‏ وَصَقْرٍ وَبَازِيٍّ وَشَاهِينَ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَمْلُوكًا ‏,‏ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالتَّرْكِ ‏,‏ فَأَمَّا مَضَرَّةُ مَا ذُكِرَ فَاصْطِيَادُهُ لِطُيُورِ النَّاسِ ‏,‏ وَأَمَّا مَنْفَعَتُهُ فَكَوْنُهُ يَصْطَادُ لِلنَّاسِ ‏.‏

وَإِنَّمَا خَصَّ النَّاظِمُ الْبَاشَقَ مِنْ بَيْنِ كَوَاسِرِ الطَّيْرِ تَنْبِيهًا مِنْهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى مِنْ بَابِ أَوْلَى ‏,‏ وَمِنْ ثَمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ كَافَ التَّشْبِيهِ فَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ نَفْعٌ مِنْ وَجْهٍ ‏,‏ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ بِهِ فِي نَحْوِ الْبَاشَقِ وَضَرَرٌ ‏,‏ وَهُوَ كَوْنُهُ يَصْطَادُ طُيُورَ النَّاسِ صَدَقَ عَلَيْهِ النَّظْمُ وَعَمَّهُ الْحُكْمُ ‏.‏

‏,‏ وَالْبَاشَقُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ ‏,‏ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْآخِذِ ‏,‏ وَهُوَ حَارُّ الْمِزَاجِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْقَلَقُ والزعارة يَأْنَسُ وَقْتًا وَيَسْتَوْحِشُ وَقْتًا ‏,‏ وَهُوَ قَوِيُّ النَّفَسِ ‏,‏ فَإِذَا أُنِسَ مِنْهُ الصَّغِيرُ بَلَّغَ صَاحِبَهُ مِنْ صَيْدِهِ الْمُرَادَ ‏;‏ لِأَنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ ظَرِيفُ الشَّمَائِلِ يَلِيقُ بِالْمُلُوكِ ‏;‏ لِأَنَّهُ يَصِيدُ أَفْخَرَ مَا يَصِيدُهُ البازي ‏,‏ وَهُوَ الدَّرَّاجُ ‏,‏ وَالْحَمَامُ ‏,‏ وَالْوَرَشَانُ ‏.‏

وَأَحْمَدُ أَوْصَافِهِ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا فِي الْمَنْظَرِ ثَقِيلًا فِي الْمِيزَانِ طَوِيلَ السَّاقَيْنِ قَصِيرَ الْفَخِذَيْنِ ‏.‏

وَأَمَّا الْبَازِي فَأَفْصَحُ لُغَاتِهِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ ‏,‏ وَاللُّغَةُ الثَّانِيَةُ بَازٍ بِلَا يَاءٍ وَالثَّالِثَةُ بازي بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ حَكَاهُ ابْنُ سيده ‏,‏ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ ‏.‏

 مطلب فِي كَوْنِ الْكَلْبِ حَيَوَانًا شَدِيدَ الرِّيَاضَةِ كَثِيرَ الْوَفَاءِ

وَبَيَانُ مَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ الْكِلَابِ وَمَا لَا يَجُوزُ ‏(‏و‏)‏ ك ‏(‏كَلْبٍ‏)‏ هُوَ حَيَوَانٌ شَدِيدُ الرِّيَاضَةِ كَثِيرُ الْوَفَاءِ ‏,‏ وَهُوَ لَا سَبُعٌ وَلَا بَهِيمَةٌ حَتَّى كَأَنَّهُ مِنْ الْخَلْقِ الْمُرَكَّبِ ‏;‏ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ لَهُ طِبَاعُ السَّبْعِيَّةِ مَا أَلِفَ النَّاسَ ‏,‏ وَلَوْ تَمَّ لَهُ طِبَاعُ الْبَهِيمِيَّةِ مَا أَكَلَ لَحْمَ الْحَيَوَانِ ‏.‏

نَعَمْ فِي الْحَدِيثِ إطْلَاقُ الْبَهِيمَةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏‏:‏ بَيْنَمَا امْرَأَةٌ تَمْشِي بِفَلَاةٍ اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْعَطَشُ فَنَزَلَتْ بِئْرًا فَشَرِبَتْ ‏,‏ ثُمَّ صعدت ‏,‏ فَوَجَدَتْ كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ‏,‏ فَقَالَتْ لَقَدْ بَلَغَ بِهَذَا الْكَلْبِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ‏,‏ ثُمَّ نَزَلَتْ فَمَلَأَتْ خُفَّهَا فَأَمْسَكَتْهُ بِفِيهَا ‏,‏ ثُمَّ صعدت فَسَقَتْهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهَا ذَلِكَ وَغَفَرَ لَهَا ‏"‏ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ نَعَمْ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ‏"‏ ‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلْبَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ بَهِيمًا ‏,‏ أَوْ لَا ‏.‏

الْأَوَّلُ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا ‏,‏ أَوْ لَا ‏,‏ الْأَوَّلُ يَجِبُ قَتْلُهُ ‏,‏ وَلَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ ‏,‏ وَالْعَقُورُ معلمين ‏,‏ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا قَرِيبًا ‏.‏

وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا ‏,‏ أَوْ لَا ‏.‏

الْأَوَّلُ لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ ‏,‏ وَكَذَا الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ ‏,‏ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَقِيلَ يُكْرَهُ فَقَطْ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ ‏,‏ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ انْتَهَى ‏.‏

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَهْلِيِّ والسلوقي نِسْبَةً إلَى سَلُوقَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ تُنْسَبُ إلَيْهَا الْكِلَابُ السلوقية وَكِلَا النَّوْعَيْنِ فِي الطَّبْعِ سَوَاءٌ ‏.‏

حُكْمُ اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى‏:‏ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ كَلْبٍ كَبِيرٍ لِصَيْدٍ يَعِيشُ بِهِ ‏,‏ أَوْ لِحِفْظِ مَاشِيَةٍ يَرُوحُ مَعَهَا إلَى الْمَرْعَى وَيَتْبَعُهَا ‏,‏ أَوْ لِحِفْظِ زَرْعٍ وَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ ‏.‏

وَقِيلَ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ‏.‏

وَفِي الرِّعَايَةِ قِيلَ وَبُسْتَانٍ ‏,‏ فَإِنْ اقْتَنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مَنْ لَا يَصِيدُ احْتَمَلَ الْجَوَازَ ‏,‏ وَالْمَنْعَ ‏,‏ وَهَكَذَا الِاحْتِمَالَانِ فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لِيَحْفَظَ بِهِ حَرْثًا أَوْ مَاشِيَةً إنْ حَصَلَتْ ‏,‏ أَوْ يَصِيدَ بِهِ إنْ احْتَاجَ ‏.‏

وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ الثَّلَاثَةِ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ ‏,‏ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ ‏,‏ وَفِي الرِّعَايَةِ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ اقْتِنَاءُ جَرْوٍ صَغِيرٍ حَيْثُ يُقْتَنَى الْكَبِيرُ وَأَمَّا اقْتِنَاءُ الْكِلَابِ لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ ‏,‏ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ ‏"‏ ‏,‏ وَفِي رِوَايَةٍ قِيرَاطَانِ وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ ‏.‏

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ ‏,‏ أَوْ مَاشِيَةٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ ‏"‏ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ عَمَلِهِ وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْكِلَابِ بَعْضُهَا أَشَدُّ أَذًى مِنْ بَعْضٍ ‏,‏ أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا ‏,‏ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَتَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدَائِنِ وَنَحْوِهَا ‏,‏ وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَوَادِي أَوْ يَكُونُ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ أَوَّلًا ‏,‏ ثُمَّ زَادَ فِي التَّغْلِيظِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَيْنِ ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِالْقِيرَاطِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ ‏.‏

وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقِيرَاطِ لِمَاذَا يَكُونُ‏؟‏ فَقِيلَ‏:‏ لِمَا مَضَى مِنْ عَمَلِهِ ‏,‏ وَقِيلَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ ‏,‏ وَقِيلَ‏:‏ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيلَ‏:‏ قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ ‏,‏ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي رِسَالَةٍ حَرَّرْنَا فِيهَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فَلَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قِيرَاطٌ وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهِ قِيرَاطَانِ ‏,‏ وَأَنَّ الْمُرَادَ نِسْبَةُ ذَلِكَ لِمَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْمُصِيبَةِ مِنْ أَجْرِ الْمُصِيبَةِ وَلَوَاحِقِهَا عَلَى أَكْمَلِ حَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ مُصِيبَتِهِمْ شَيْءٌ ‏,‏ وَأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَصْبِرُوا ‏,‏ بَلْ جَزِعُوا وتسخطوا حَتَّى حَصَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وِزْرٌ يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَلِّي ‏,‏ وَالْمُتَّبِعِ الْجِنَازَةَ قِيرَاطٌ ‏,‏ أَوْ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرِ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ وَلَوَاحِقِهَا أَنْ لَوْ وُجِدَ عَلَى أَتَمِّ حَالٍ ‏.‏

وَأَمَّا فِي مَقَتَنِي الْكَلْبِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ فِيهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ ‏,‏ وَالْإِمَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ وَابْنِ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَنَّ الْقِيرَاطَ ‏,‏ أَوْ الْقِيرَاطَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ‏,‏ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ دِينَارًا فَبِاقْتِنَائِهِ هَذَا الْكَلْبَ يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ الدِّينَارِ قِيرَاطَانِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الْعَمَلِ ‏,‏ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَمَلِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ عِظَمُ الْقِيرَاطِ وَنَقْصُهُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي أَوَّلِ مَنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ

‏(‏فَوَائِدُ‏)‏‏:‏ الْأُولَى‏:‏ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ نُوحٌ عليه السلام قَالَ‏:‏ يَا رَبِّ أَمَرْتَنِي أَنْ أَصْنَعَ الْفُلْكَ وَأَنَا فِي صِنَاعَتِهِ أَصْنَعُ أَيَّامًا ‏,‏ فَيَجِيئُونَنِي بِاللَّيْلِ فَيُفْسِدُونَ كُلَّ مَا عَمِلْت فَمَتَى يَتِمُّ لِي مَا أَمَرْتَنِي بِهِ قَدْ طَالَ عَلَيَّ أَمْرِي فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ يَا نُوحُ اتَّخِذْ كَلْبًا يَحْرُسْك فَاتَّخَذَ نُوحٌ كَلْبًا ‏,‏ وَكَانَ يَعْمَلُ بِالنَّهَارِ ‏,‏ وَيَنَامُ بِاللَّيْلِ ‏,‏ فَإِذَا جَاءَ قَوْمُهُ لِيُفْسِدُوا بِاللَّيْلِ نَبَحَهُمْ الْكَلْبُ فَيَنْتَبِهُ نُوحٌ عليه السلام فَيَأْخُذُ الْهِرَاوَةَ فَيَثِبُ لَهُمْ فَيَهْرُبُونَ مِنْهُ فَالْتَأَمَ لَهُ مَا أَرَادَ ‏.‏

 مطلب فِي ذِكْرِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ

الثَّانِيَةُ ثَبَتَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ ‏.‏

فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ‏"‏ وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ريدة رضي الله عنه قَالَ‏:‏ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ مَا حَبَسَك‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ‏.‏

قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُمْ فِي سَبَبِ امْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً ‏,‏ وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ ‏,‏ وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ‏,‏ وَأَمَّا سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ كَلْبٌ فَكَثْرَةُ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ ‏,‏ وَكَوْنُ بَعْضِ الْكِلَابِ يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ‏,‏ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ ‏,‏ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ الْخَبِيثَةَ ‏,‏ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتِهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارِهَا لَهُ وتبركها عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ وَدَفْعِهَا أَذَى الشَّيَاطِينِ ‏,‏ وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبَرُّكِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَهُمْ مَلَائِكَةُ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ ‏.‏

وَأَمَّا الْحَفَظَةُ ‏,‏ وَالْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ فَيَدْخُلُونَ كُلَّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي حَالٍ ‏;‏ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا ‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ ‏,‏ وَإِنَّمَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ ‏,‏ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ ‏,‏ وَالْمَاشِيَةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي البساطة ‏,‏ وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ‏,‏ وَقَالَ النَّوَوِيُّ‏:‏ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَصُورَةٍ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَم ‏.‏

 مطلب رِحْلَةُ الْإِمَامِ إلَى مَا وَرَاءَ النَّهَرِ

‏(‏الثَّالِثَةُ‏)‏ ذَكَرَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ عَنْ سَيِّدِنَا الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه‏:‏ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ وَرَاءِ النَّهَرِ مَعَهُ أَحَادِيثُ ثُلَاثِيَّةٌ فَرَحَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه إلَيْهِ فَوَجَدَ شَيْخًا يُطْعِمُ كَلْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عليه السلام ‏,‏ ثُمَّ اشْتَغَلَ الشَّيْخُ بِإِطْعَامِ الْكَلْبِ ‏,‏ فَوَجَدَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ إذْ أَقْبَلَ الشَّيْخُ عَلَى الْكَلْبِ وَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ مِنْ طُعْمَةِ الْكَلْبِ الْتَفَتَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ ‏,‏ وَقَالَ لَهُ كَأَنَّك وَجَدْت فِي نَفْسِك إذْ أَقْبَلْت عَلَى الْكَلْبِ وَلَمْ أُقْبِلْ عَلَيْك‏؟‏ قَالَ نَعَمْ ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏ مَنْ قَطَعَ رَجَاءَ مَنْ ارْتَجَاهُ قَطَعَ اللَّهُ مِنْهُ رَجَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَمْ يَلِجْ الْجَنَّةَ ‏"‏ ‏,‏ وَأَرْضُنَا هَذِهِ لَيْسَتْ بِأَرْضِ كِلَابٍ ‏,‏ وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الْكَلْبُ فَخِفْت أَنْ أَقْطَعَ رَجَاءَهُ فَقَالَ الْإِمَامُ هَذَا الْحَدِيثُ يَكْفِينِي ‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ ‏.‏

 مطلب فِي أَوْصَافِ الْفَهْدِ وَتَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ

‏(‏و‏)‏ ‏(‏كَفَهْدِ‏)‏ وَاحِدُ الْفُهُودِ وَفَهِدَ الرَّجُلُ أَشْبَهَ الْفَهْدَ فِي كَثْرَةِ نَوْمِهِ وَتَمَدُّدِهِ ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ قَالَتْ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إنْ دَخَلَ فَهْدٌ ‏,‏ وَإِنْ خَرَجَ أَسَدٌ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ ‏,‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَأْكُلُ مَا وَجَدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ وَلَا يَرْفَعُ الْيَوْمَ لِغَدٍ ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ‏:‏ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ‏:‏ أَيْ نَامَ وَغَفَلَ كَالْفَهْدِ لِكَثْرَةِ نَوْمِهِ يُقَالُ أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ ‏,‏ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تَصِفُهُ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ ‏,‏ وَالْغَفْلَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لَهُ ‏.‏

وَقَوْلُهَا ‏,‏ وَإِنْ خَرَجَ أَسَدٌ تَمْدَحُهُ بِالشَّجَاعَةِ أَيْ صَارَ كَالْأَسَدِ يُقَالُ أَسِدَ الرَّجُلُ وَاسْتَأْسَدَ إذَا صَارَ كَذَلِكَ ‏.‏

وَقَوْلُهَا عَمَّا عَهِدَ أَيْ رَأَى فِي الْبَيْتِ وَعَرَفَ ‏.‏

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ لَا يَتَفَقَّدُ مَا ذَهَبَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَعَايِبِ الْبَيْتِ وَمَا فِيهِ فَكَأَنَّهُ سَاءَ عَنْ ذَلِكَ ‏.‏

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ‏:‏ وَصَفَتْهُ بِأَنَّهُ فِي اللِّينِ وَالدَّعَةِ ‏,‏ وَالْغَفْلَةِ عِنْدَهَا كَالْفَهْدِ ‏,‏ وَإِذَا خَرَجَ كَانَ كَالْأَسَدِ فِي شَجَاعَتِهِ ‏,‏ وَلَمْ تُرِدْ النَّوْمَ كَمَا قَالَ شَارِحُ الْعِرَاقِيِّينَ ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَدْ وَرَدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ هَذَا فِي وَصْفِ عَلِيٍّ وَذَمِّ مَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏‏:‏ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الذَّوَّاقَ الْمِطْلَاقَ الَّذِي أَرَاهُ لَا يَأْكُلُ مَا وَجَدَ وَيَسْأَلُ عَمَّا فَقَدَ ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ كَالْأَسَدِ ‏,‏ وَكَانَ خَارِجًا كَالثَّعْلَبِ لَكِنْ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةِ يَأْكُلُ مَا وَجَدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا فَقَدَ ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَهَا كَالثَّعْلَبِ وَخَارِجًا كَالْأَسَدِ ‏"‏ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ‏:‏ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ فَهْدٍ هُنَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ جَعَلَتْ كَثْرَةَ تَغَافُلِهِ كَالنَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا سِيَّمَا ‏,‏ وَقَدْ وُصِفَ الْفَهْدُ بِالْحَيَاءِ وَقِلَّةِ الشَّرَهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا خُلُقُ مَدْحٍ ‏,‏ وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ ‏.‏

قَالَ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ‏:‏ وَزَعَمَ أَرِسْطُو أَنَّ الْفَهْدَ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ أَسَدٍ وَنَمِرٍ وَمِزَاجُهُ مِثْلُ النَّمِرِ ‏,‏ وَفِي طَبْعِهِ مُشَابَهَةٌ بِالْكَلْبِ فِي أَدَوَاتِهِ وَذَاتِهِ وَيُقَالُ‏:‏ إنَّ الْفَهْدَةَ إذَا أَثْقَلَتْ بِالْحَمْلِ حَنَّ عَلَيْهَا كُلُّ ذَكَرٍ يَرَاهَا مِنْ الْفُهُودِ وَيُوَاسِيهَا مِنْ صَيْدِهِ ‏,‏ فَإِذَا أَرَادَتْ الْوِلَادَةَ هَرَبَتْ إلَى مَوْضِعٍ قَدْ أَعَدَّتْهُ لِذَلِكَ وَيُوصَفُ الْفَهْدُ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ وَكَثْرَةِ الْغَضَبِ ‏,‏ فَإِذَا وَثَبَ عَلَى فَرِيسَةٍ لَا يَتَنَفَّسُ حَتَّى يَنَالَهَا فَيَحْمَى لِذَلِكَ وَتَمْتَلِئُ رِئَتُهُ مِنْ الْهَوَاءِ الَّذِي حَبَسَهُ ‏,‏ فَإِذَا أَخْطَأَ صَيْدَهُ رَجَعَ مُغْضَبًا وَرُبَّمَا قَتَلَ سَائِسَهُ ‏.‏

وَمِنْ طَبْعِهِ الْإِسَاءَةُ إلَى مَنْ يُحْسِنُ إلَيْهِ ‏.‏

وَكِبَارُ الْفُهُودِ أَقْبَلُ لِلتَّأْدِيبِ مِنْ صِغَارِهَا ‏.‏

وَأَوَّلُ مَنْ صَادَ بِالْفَهْدِ كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ وَأَوَّلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخَيْلِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ‏.‏

وَأَكْثَرُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِاللَّعِبِ بِهَا أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ ‏.‏

وَحُكْمُهُ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ ‏;‏ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ كَالْأَسَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏.‏

 مطلب فِي حُكْمِ بَيْعِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ

‏(‏تَنْبِيهَاتٌ‏:‏ الْأَوَّلُ‏)‏ يَجُوزُ بَيْعُ سِبَاعِ بَهَائِمِ وَجَوَارِحِ طَيْرٍ يَصْلُحَانِ لِصَيْدٍ إذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً ‏,‏ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَكِنْ تَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَوَلَدِهِ وَفَرْخِهِ وَبِيضِهِ لِاسْتِفْرَاخِهِ لَا بَيْعُ كَلْبٍ ‏,‏ وَلَوْ مُبَاحَ الِاقْتِنَاءِ ‏,‏ وَمَنْ قَتَلَهُ ‏,‏ وَهُوَ مُعَلَّمٌ أَسَاءَ ‏;‏ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ ‏;‏ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا يُمْلَكُ ‏,‏ وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ نَحْوَ الْبَاشَقِ ‏,‏ وَالْبَازِي ‏,‏ وَالْفَهْدِ ‏,‏ فَإِنَّهُ يَغْرَمَ قِيمَتَهُ لِإِبَاحَةِ اقْتِنَائِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ ‏,‏ أَوْ ضَرُورَةٍ ‏,‏ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَلَا يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ‏.‏

وَالْقَاعِدَةُ حِلُّ بَيْعِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَخَرَجَ بِقَيْدِ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا كَالْحَشَرَاتِ وَبِمُبَاحَةٍ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ ‏,‏ وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِلْحَاجَةِ كَالْكَلْبِ ‏,‏ وَمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ ‏,‏ وَالْخَمْرِ لِدَفْعِ مَا غَصَّ بِهِ ‏.‏